إن الذي يزور منطقة المصب هذه أو التي يسميها القرآن بمنطقة الحاجز
أو البرزخ يلاحظ الاختلافات الكبيرة في هذه البيئة والفروقات في كثافة
المياه ودرجة ملوحتها ودرجة حرارتها من لحظة لأخرى ومن فصل لآخر[4]، أي أن هنالك عملية مزج وخلط وتداخل مستمر للماء العذب والماء المالح.
وربما نعجب إذا علمنا أن كلمة (مَرَجَ) الواردة في قوله تعالى: (وَهُوَ
الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) تعبر تعبيراً دقيقاً عن العمليات التي تتم في هذه
المنطقة والتي رصدها العلماء حديثاً.
ففي القاموس المحيط نجد معنى كلمة (مَرَجَ): خَلَطَ، وأمر مَرِيج:
مختلط، والمَرجُ: الاختلاط والاضطراب[5]. وفي تفسير ابن
كثير: "المريج: المختلف المضطرب الملتبس المنكر خلاله، كقوله
تعالى (إنكم لفي قول مختلف) [الذاريات: 8]"[6].
والعجيب جداً أن ما يحدث فعلاً في منطقة المصب يشمل جميع هذه
المعاني، أي أن الكلمة القرآنية تعبّر تعبيراً دقيقاً عن حقيقة ما يحدث،
كيف لا تعبر عن الحقيقة وهي منزّلة من خالق هذا المصب سبحانه وتعالى؟
أقسام منطقة المصب
يقسّم العلماء اليوم منطقة المصب إلى ثلاثة أقسام:
1- منطقة الماء العذب من جهة النهر.
2- منطقة الماء المالح من جهة البحر.
3- منطقة الحاجز بين النهر والبحر، وهي ما يسميه القرآن بالبرزخ.
ويمكن أن يمتد تأثير المياه العذبة على المياه المالحة لمئات الكيلو مترات
في البحر. وبالرغم من وجود الكثير من مصبات الأنهار في العالم، إلا
أنه لا يوجد برزخ يشبه الآخر! فكل برزخ يتميز بخصائص محددة عن
غيره تتبع الاختلاف في درجة الملوحة، والاختلاف في درجة الحرارة،
وهذا يتبع درجة ملوحة ماء البحر، وطول النهر، وغير ذلك من العوامل
مثل درجة الحموضة PH وكمية العوالق في ماء النهر وسرعة تدفق ماء النهر...[7].
المنطقة المحجورة
في منطقة المصب، حيث يلتقي النهر مع البحر، هذه المنطقة تتميز
بوجود اختلاف كبير في درجة الملوحة ودرجات الحرارة، وعلى الرغم
من ذلك هنالك كائنات ونباتات وحيوانات تأقلمت وتعيش في هذه المنطقة.
إن الكائنات التي تعيش في الماء المالح لا تستطيع الحياة في الماء
العذب، لأن خلايا جسدها تحوي تركيزاً محدداً من الملح وبمجرد إلقائها
في الماء العذب سوف تموت بسبب دخول الماء العذب إلى جسمها بكميات كبيرة.
الكائنات التي تعيش في الماء العذب أيضاً لا يمكنها أن تعيش في الماء
المالح للسبب ذاته، أما الكائنات التي تعيش في المنطقة الفاصلة بين النهر
والبحر أي منطقة البرزخ فهي أيضاً لا يمكنها أن تعيش خارج هذه
المنطقة لأنها تأقلمت معها، وبالتالي يقوم اليوم العلماء بدراسة منطقة المصب كمنطقة مستقلة لها طبيعتها وقوانينها وكائناتها.
وهذا يدل على أن منطقة المصب هي منطقة محجورة ولها استقلاليتها
ومحفوظة أيضاً برعاية الله تعالى، وهي منطقة مغلقة تشبه الحجرة
المغلقة، ومن هنا يمكن أن نفهم بعمق أكبر معنى قوله تعالى(وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا).
يتابع..........